ليست الأخلاق في الإسلام مستقلة عن الأخلاق الإنسانية الأساسية
بل هي متممة لها،مكملة إياها.
ويتجلى ذلك في قول الرسول صلى الله عليه وسلم(( إنما بعثت لأتمم حسن الأخلاق ))
وقوله: (( إن المرء ليدرك بحسن خلقه درجة القائم بالليل الظامي بالهواجر ))
فهذه مكانة الأخلاق في الإسلام كما يقرها نبي الإسلام ولم يقتصر على تكميل النقص .
والمراد بالأخلاق الإنسانية تلك الصفات التي لابد منها لفلاح أي إنسان مؤمناً كان أو غير مؤمن صحيح الغاية أو غير صحيح
فالعزة والنجدة والكرم والإحتمال والصبر والحلم وحسن التقدير والقناعة والهدوء والطلاقة
والتي نقلها الإمام الغزالي عن سقراط وأفلاطون وأدرجها تحت أربع فضائل كبرى الحكمة والشجاعة والعفة والعدالة.
ولايمكن أن ينجح أحد أو يحلم بالفوز وتحقيق مايصبو إليه إلا إذا كانت هذه الصفات مجتمعة فيه.
وهذه الصفات الأخلاقية الأساسية جاء الإسلام ليقرها وليتممها فأضاف إليها الكثير من الفضائل التي لم تكن معروفة
كالصدق والأمانة والوفاء بالعهد وبر الوالدين وصلة الرحم وإحياء النفس والعفو والرحمة وإجارة المستجير
وكفالة اليتيم .
وإذا ماقارنا بين ماجاءت به الكتب السماوية السابقة كالتوراة والإنجيل مثلاً ومجاء به الفلاسفه والحكماء أيضاً
يتبين لنا بما لايدع مجالاً للشك أن الإسلام أكمل الفضائل الناقصة عندهم ، ثم وجهها إلى الطريق المستقيم.
نجد في التوراة أحكام عديدة تتصل بالأخلاق منها سبعة تعد أصولاً وليس فيها إلا أصل واحد إيجابي
وهو الأمر بطاعة الوالدين وبرهما ، أما الستة كلها سلبية وهي النواهي ، لاتقتل ، لاتسرق ، لاتزن ، لاتشهد على جارك شهادة زور ،
لاتخادن خليلة جارك ، لاتطمع في مال غيرك .
والإنجيل ردد هذه الأحكام السبعة وزاد عليها الحث على محبة الغير.
والأخلاق في الإسلام ليست مجرد قيود وكوابح وضوابط رادعة ، لكنها في صميمها قوة بناءة وحركة دافعة إلى النمو المطرد
والكمال المنشود ، وهي مع ذلك توائم فطرة الإنسان وتوافق ميوله وليس أدل على ذلك من أن الإسلام يسمي الخير معروفاً
والشر منكراً ، فليس في تعاريفه الأخلاقية مايكد الأذهان ويجهد العقول ، وليست مفروضة عليهم فرضاً نظرياً.
فبناء الأخلاق في الإسلام قائم على أساس فطري واقعي ليس فيه شطحات لابتخليل الإنسان ملاكاً ، يضع له من الآداب
والأخلاق مالا يمكن تطبيقه ، ولايعد الإنسان حيواناُ أو كالحيوان يقرر له من السلوك الخلقي مالا يليق به .
والإسلام جاء ليحسن الحسن ويقبح القبيح ولم يات بأخلاق تغمض عينها عن واقع الإنسان وتتجاهل طبيعته.
ولن تجد أحداً يكره الخير لنفسه، هذه غريزة في الإنسان كالطعام والشراب والجنس.
المصدر: كتاب دعوة الفطرة
المؤلف: يوسف محي الدين أبو هلالة